من الذين ينكرون النبوة الفلاسفة ومنهم كما يقال البرهمية-الذين هم في الهند عباد الأبقار- والفلاسفة ينكرون النبوات ويقولون: لا حاجة لوجود نبي، والعقول تغني عن الشرائع، والأنبياء ما هم إلا أناسٌ عباقرةٌ عظماء نابغون، تعلموا أنواعاً من الحيل مثل حيل السحر، وجاؤا إِلَى قومهم وَقَالُوا: نَحْنُ أنبياء واستخفوا بعقولهم بهذه الخوارق للعادة فتبعتهم أقوامهم.
وليس لهم أي دليل من العقل، فلما جَاءَ أهل الكلام، وأرادوا أن يردوا عليهم، ولم يسلكوا منهج القُرْآن والسنة في إثبات نبوة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والرد عَلَى منكريها، مع كثرة ما جَاءَ في القُرْآن من الحديث عنها، ومع أنها قضية كبرى، ومعركة كبرى دارت بين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين قريش، بل سلكوا منهجاً عقلانياً مجرداً يتوقف كله عَلَى إثبات ما أسموه "المعجزة" وأنه لا دليل لثبوت النبوة غير المعجزة، وحصروا الدلائل في المعجزة وحدها، وهذا فعل كثير منهم فلما فعل أهل الكلام ذلك، جَاءَ الفلاسفة وأبطلوا -أيضاً- تأثير المعجزة فكان ذلك مما هيئ لأن يطعن الطاعنون في دين الإسلام.
إلا أن الإِنسَان الذي ينتهج في عقيدته منهج أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ فيقرأ كتاب الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ويأخذ ويستقي منه كل ما يعتقد يجد إثبات نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجلى من الشمس في رابعة النهار، ولسنا في حاجة إِلَى أن نتعلم من الطرق العقلية ما نرد به عَلَى منكري نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
والمصنف -رحمه الله تعالى- هنا قد جَاءَ بأدلة كثيرة هي جزء قليل من الأدلة العامة التي -هي أدلة متواترة مستفيضة- تدل عَلَى إثبات النبوة في الجملة، وإثبات نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة فلهذا نذكر كلامه -إن شاء الله- وبعد ذلك نتحدث عن أهمية دراسة سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.